س "الفاف"، إنه المنصب الذي لا يسلّم فيه مقابل كل كنوز الدنيا. إنه المنصب الذي يجعل منه السيّد الواحد الأحد. لا توجد أيّ جهة تحاسبه أو يقدّم لها الحسابات.. ولا مجلس محاسبة ولا وزارة وصيّة ولا عدالة. الفاف مملكته يفعل فيها وبها ما يشاء. إنه أهمّ من رئيس الجمهورية. هو الحاج محمد روراوة "العظيم".
"أنا كبير"... "أنا كبير"... راح يردّد محمد روراوة إلى أحد أقاربه في فيلته الفخمة الواقعة بموريتي والتي اشتراها بما يعادل لقمة عيش ليمسحها من الأرض نهائيا حتى آخر حجر ثم أعاد بناءها في ظرف زمني وجيز لا يتعدّى الستة أشهر بفضل سواعد الصينيين الذين أنجزوا فندق الشيراطون بسطوالي.
يرى نفسه قويّا لأنه كما يقول "جعلت رئيس الجمهورية ينام مرتاح البال لمّا أخرجت للشارع 35 مليون جزائري يحتفلون بتأهل الفريق الوطني لمونديال 2010" كما يسرّ به لكل من يتساءل عن هذه العظمة التي يتباهى بها في وجه كل من يحاول مناكفته أو منازعته في شبر واحد من السلطة التي حاز عليها لنفسه في عالم كرة القدم الجزائرية. تأهُل الفريق الوطني لكأس العالم 2010 دفع به إلى حدّ إيهام الآخرين بأنه صانع السلم المدني لدرجة تقزيم إنجازات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى مجرّد إنجاز رياضي يقف وراءه لوحده دون سواه. هذا الإنجاز الذي راح أحد رجالاته المتواجد بدولة قطر يضفي عليه شكوكا بلغت منتهاها بما معناه أن الفضل الوحيد في التأهل لكأس العالم يعود إلى محمد روراوة ولا استحقاق للاعبين ومدرّبهم بما أن المقابلات الصعبة تمّ شراؤها من طرف رئيس الاتحادية الذي لم يتردّد في رشوة بعض الحكّام.
عندما يصنع الإرهاب الثروات
بعض ملامح شخصيته تذكّر بعبد المومن رفيق خليفة، ذلك الشاب الذي بنى ثروته على الهفّ والمراوغات واستغلال ضبابية نظام الحكم في البلاد. ولكن بعكس خليفة الذي كان يعشق الأضواء كثيرا نجد محمد روراوة لا يبرز للأضواء إلا دور المسيّر الرياضي ويتكتّم على حياته الخاصة وبالخصوص ثروته وأعماله. فهو لا يظهر للعلن حياة البذخ التي يعيش فيها ولا علامات الثراء بالرغم من أن ثروته تعدّ بمئات الملايير، فبرج باب الزوار لوحده قيمته تتجاوز 600 مليار سنتيم.
ثروة الحاج روراوة، كما يحلو له أن يلقّبوه (أدى أكثر من عشر مرات مناسك الحجّ) بناها في سنوات الإرهاب والجمر تلك الفترة التي كانت سانحة للكثيرين من الناس الذين استغلّوا الفرص لتغيير وضعهم الاجتماعي وتحسين مواردهم المالية نظرا للظروف التي كانت تمرّ بها البلاد. وبصفته انتهازي يجيد اقتناص الفرص، سعى الرئيس الحالي للفاف إلى ربط علاقات سمحت له بالدخول إلى دائرة السلطة السياسية منذ منتصف الثمانينات، حيث أرسيت الرداءة كنظام عمل رقّي من خلاله السائق إلى رتبة مستشار في رئاسة الجمهورية والحمّال صار سفيرا. فليس من الغرابة في ضوء هذه التفاعلات أن يتسلّق محمد روراوة السلّم الاجتماعي منطلقا من منصب قاطع تذاكر بقاعات السينما (دنيازاد) والموقار إلى رئيس مدير عام للوكالة الوطنية للإشهار مرورا بمنصب مدير مركزي بوزارة الإعلام ومدير القناة التلفزيونية العمومية. الوصول إلى هذه المراكز لا يحلم بها مجرّد قاطع تذاكر بقاعات السينما خاصة وأنه يفتقد لشهادات جامعية ولمؤهلات تسمح له باحتلال مثل هذه المراكز، فهو استغلّ كل ما في وسعه في ميدان ربط العلاقات والتحالفات وهو بارع في هذا المجال لدرجة لا يمكن وصفها.
ولكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهان كل من عرفوه عن قرب وعرفوا مساره المهني يحوم حول الثروة التي كوّنها في ظرف وجيز، فكيف لموظف حتى وإن كان في منصب رئيس مدير عام لمؤسسات حكومية أن يمتلك هذه الثروة؟
حسب بعض المصادر القريبة منه بدأ الحاج روراوة بتكوين ثروته بتعاطي العمل في القطاع الخاص بالتوازي مع وظائفه في القطاع العام حتى وإن كان القانون يمنع ذلك، حيث في تلك الفترة عرف كيفية التحايل عليه مثلما عمل الكثيرون من الموظفين. فقد أنشأ مؤسسة صغيرة تصنع مادة تقوية الفرينة. وفي الفترة نفسها اشترى قطعة أرض بمساحة 300 متر مربع في حيدرة قرب المدرسة الوطنية للإدارة بنى عليها فيلا فخمة أجّرها لسفارة المملكة العربية السعودية قبل أن يؤجّرها لعدّة سنوات من بعد لبنك "ناتوكسوس". وحسب بعض المصادر انتهى الأمر بالحاج روراوة إلى بيع هذه الفيلا لنفس البنك الذي لا زال يؤجّر عدة مكاتب ببرج باب الزوار الذي يمتلكه رئيس الفاف نفسه.
الحاج فرينة
لم يكتف الحاج روراوة بإيجار فيلا ومصنع لتقوية الفرينة ومنصب مدير عام لمؤسسة حكومية، لكنه مع دخول البلاد في دوامة الإرهاب أنشأ شركة لاستيراد الفرينة، مما جعل البعض يطلق عليه اسم "الحاج فرينة". واستغلّ المادة التي كان يستوردها في فتح مخبزة صناعية بحي قاريدي في القبّة حيث يمتلك أيضا شقّة استفاد منها كسكن اجتماعي لكنه سخّرها لابنته التي حوّلتها إلى عيادة طبيّة متخصّصة في أمراض القلب، وبخصوص السكن الاجتماعي يشير أحد المقرّبين منه أنه تحصّل على خمسة مساكن في ولاية الجزائر.
كما يقول المثل الشعبي "الدراهم تجيب الدراهم" بدأت تتهاطل الأموال الضخمة على الحاج روراوة والأعمال تتعدّد والفرص تتاح لتزداد ثروته ومن ضمن هذه الفرص اقتناءه قطعة أرض بباب الزوار باعها له السيد رشيد معريف سفير الجزائر الحالي بروما عندما ضاقت عليه الأمور ليسدّد دينا استلفه من بنك الخليفة، وعلى هذه القطعة تمّ بناء برج يتراءى للأعين لكل من يدخل العاصمة قدوما من مطار هواري بومدين يؤجّر فيه مكاتبا لمتعامل الهاتف النقال نجمة وبنك ناتوكسوس، حيث تقول بعض المصادر أن له أرصدة فيه.
الحاج روراوة، يعرف كيف يسيّر أموره الخاصّة في عالم الأعمال، يا ترى من بنى برج باب الزوار؟ لا يخطر على بال أحد أن المشروع أنجزته شركة المقاولون العرب المصرية التي أوكل لها في نفس الوقت إنجاز المقرّ الجديد للاتحادية الجزائرية لكرة القدم وجزء من المركز التقني للفرق الوطنية الموجود بسيدي موسى. ومن ضمن المساهمين في شركة "المقاولون العرب" المصرية نجد السيّد سمير زاهر رئيس الاتحادية المصرية لكرة القدم الذي دخل معه في صراع نتجت عنه عداوة بين الراجلين ولكن لم يكن ذلك إلا ذرّ رماد في العيون فهما صديقان حميمان يجمع ما بينهما المال والأعمال.
ثروة الحاج محمد روراوة، حسب بعض المصادر الموثوقة والمقربة منه تتجاوز الحدود الجزائرية، فهو يمتلك فندقا بمكة المكرّمة وآخر في مدينة مارسيليا بفرنسا وشقتين بباريس. كنّا نودّ أن يؤكّد أو يكذّب هذه المعلومات السيّد روراوة ولكنّه امتنع عن الجواب وفضّل عدم الردّ على مراسلتنا التي وجهناها له واستلمتها كاتبته بمقرّ الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، لأن هذه الأملاك الموجودة في الخارج تعطي مصداقية للإشاعات التي انتشرت عندما عيّن الحاج محمد روراوة محافظا لسنة الجزائر بفرنسا في 2005، وهو الذي كان في نفس الوقت يترأس الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، هذا التعيين الذي أسال الكثير من الحبر وكأن الجزائر لم تجد شخصا ثانيا توكله هذه المهمّة حتى تسندها لرجل تشغله أمور الكرة الجزائرية وليست له وظيفة بالمؤسسات الحكومية إذ كان يدير أعماله الخاصّة، فكيف للدولة الجزائرية أن تسند مهمّة تسيير أموال باهظة لرجل غادر الوظيف العمومي ويشتغل لحسابه الخاص؟ هل سيكشف يوما عن حقيقة هذا التعيين وأسبابه؟ وهل حقيقة استفاد الحاج روراوة من هذا التعيين ليبني ثروة خارج الجزائر، وإلا من أين اكتسب أملاكا بفرنسا والسعودية مثلما يدّعي بعض المقربين منه وهو الذي لم يشتغل يوما بالخارج لتكون له أموال تسمح له بامتلاك ما بحوزته الآن؟
إذا كان الحاج روراوة شاطرا في تدبير أموره وتسييرها بفعالية وعقلانية سمحت له بتكوين ثروة هائلة في ظرف وجيز، هل أحسن تسيير أمور الكرة الجزائرية؟ هذا ما سنكشفه في الحلقة القادمة.