ان الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
33 سبباً للخشوع في الصلاة
أولاً: الحرص على ما يجلب الخشوع ويقويه:
1-الاستعداد للصلاة والتهيؤ لها: ويحصل ذلك بأمور منها الترديد مع المؤذن والإتيان بالدعاء المشروع بعده ، والدعاء بين الأذان والإقامة، وإحسان الوضوء والتسمية قبله والذكر والدعاء بعده. والاعتناء بالسواك وأخذ الزينة باللباس الحسن النظيف، و التبكير والمشي إلى المسجد بسكينة ووقار وانتظار الصلاة، وكذلك تسوية الصفوف والتراص فيها .
2- الطمأنينة في الصلاة: كان النبي يطمئن حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
3- تذكر الموت في الصلاة: لقوله:{ اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريّ أن يحسن صلاته، وصلّ صلاة رجل لا يظن أنه يصلي غيرها}.
4-تدبر الآيات المقروءة وبقية أذكار الصلاة والتفاعل معها:ولا يحصل التدبر إلا بالعلم بمعنى ما يقرأ فيستطيع التفكّر فينتج الدمع والتأثر قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً [الفرقان:73].
* و مما يعين على التدبر التفاعل مع الآيات بالتسبيح عند المرور بآيات التسبيح و التعوذ عند المرور بآيات التعوذ..وهكذا.
* ومن التجاوب مع الآيات التأمين بعد الفاتحة وفيه أجر عظيم، قال رسول الله:{ إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنُوا فإنه مَن وافق تأمِينُهُ تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه} [رواه البخاري]، وكذلك التجاوب مع الإمام في قوله سمع الله لمن حمده، فيقول المأموم: ربنا ولك الحمد وفيه أجر عظيم أيضا.
5- أن يقطّع قراءته آيةً آية: وذلك أدعى للفهم والتدبر وهي سنة النبي، فكانت قراءته مفسرة حرفا حرفا.
6-ترتيل القراءة وتحسين الصوت بها: لقوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً [المزمل:4]، ولقوله:{ زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا} [أخرجه الحاكم].
7- أن يعلم أن الله يُجيبه في صلاته: قال:{ قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل}.
8-الصلاة إلى سترة والدنو منها: من الأمور المفيدة لتحصيل الخشوع في الصلاة الاهتمام بالسترة والصلاة إليها، وللدنو من السترة فوائد منها:
* كف البصر عما وراءه، و منع من يجتاز بقربه... و منع الشيطان من المرور أو التعرض لإفساد الصلاة قال عليه الصلاة والسلام:{ إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها حتى لا يقطع الشيطان عليه صلاته} [رواه أبو داود].
9- وضع اليمنى على اليسرى على الصّدر: كان النبي إذا قام في الصلاة وضع يده اليمنى على اليسرى و كان يضعهما على الصدر ، و الحكمة في هذه الهيئة أنها صفة السائل الذليل وهو أمنع من العبث وأقرب إلى الخشوع.
10-النظر إلى موضع السجود: لما ورد عن عائشة أن رسول الله إذا صلى طأطأ رأسه و رمى ببصره نحو الأرض، أما إذا جلس للتشهد فإنه ينظر إلى أصبعه المشيرة وهو يحركها كما صح عنه.
11- تحريك السبابة: قال النبي:{ لهي أشد على الشيطان من الحديد}، و الإشارة بالسبابة تذكّر العبد بوحدانية الله تعالى والإخلاص في العبادة وهذا أعظم شيء يكرهه الشيطان نعوذ بالله منه.
12- التنويع في السور والآيات والأذكار والأدعية في الصلاة: وهذا يُشعر المصلي بتجدد المعاني، ويفيده ورود المضامين المتعددة للآيات والأذكار فالتنويع من السنّة وأكمل في الخشوع.
13-أن يأتي بسجود التلاوة إذا مرّ بموضعه: قال تعالى: وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء:109]، وقال تعالى: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً [مريم:58]، قال رسول الله:{ إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار} [رواه مسلم].
14-الاستعاذة بالله من الشيطان: الشيطان عدو لنا ومن عداوته قيامه بالوسوسة للمصلي كي يذهب خشوعه ويلبِّس عليه صلاته. و الشيطان بمنزلة قاطع الطريق، كلما أراد العبد السير إلى الله تعالى، أراد قطع الطريق عليه، فينبغي للعبد أن يثبت و يصبر، ويلازم ماهو فيه من الذكر و الصلاة و لا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76].
15- التأمل في حال السلف في صلاتهم: كان علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة يتزلزل و يتلون وجهه، فقيل له: ما لك؟ فيقول: جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملتُها. و كان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خديه على لحيته.
16- معرفة مزايا الخشوع في الصلاة: ومنها قوله:{ ما من امريء مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها و خشوعها و ركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، و ذلك الدهر كله} [رواه مسلم].
17-الاجتهاد بالدعاء في مواضعه في الصلاة وخصوصا في السجود: قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55]، وقال نبينا الكريم:{ أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء} [رواه مسلم].
18-الأذكار الواردة بعد الصلاة: فإنه مما يعين على تثبيت أثر الخشوع في القلب وما حصل من بركة الصلاة.
ثانياً: دفع الموانع والشواغل التي تصرف عن الخشوع وتكدِّر صفوه:
19- إزالة ما يشغل المصلي من المكان: عن أنس قال: كان قِرام ( ستر فيه نقش وقيل ثوب ملوّن ) لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي:{ أميطي - أزيلي - عني فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي} [رواه البخاري].
20-أن لا يصلي في ثوب فيه نقوش أو كتابات أو ألوان أو تصاوير تشغل المصلي: فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قام النبي الله يصلي في خميصة ذات أعلام - وهو كساء مخطط ومربّع - فنظر إلى علمها فلما قضى صلاته قال:{ اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة و أتوني بأنبجانيّه - وهي كساء ليس فيه تخطيط ولا تطريز ولا أعلام -، فإنها ألهتني آنفا في صلاتي} [رواه مسلم].
21- أن لا يصلي وبحضرته طعام يشتهيه: قال:{ لا صلاة بحضرة طعام} [رواه مسلم].
22-أن لا يصلي وهو حاقن أو حاقب: لاشكّ أن مما ينافي الخشوع أن يصلي الشخص وقد حصره البول أو الغائط، ولذلك نهى رسول الله أن يصلي الرجل و هو حاقن: أي الحابس البول، أوحاقب: و هو الحابس للغائط، قال اصلى الله عليه وسلم:{ لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان} [صحيح مسلم]، وهذه المدافعة بلا ريب تذهب بالخشوع. ويشمل هذا الحكم أيضا مدافعة الريح.
23- أن لا يصلي وقد غلبه النّعاس: عن أنس بن مالك قال، قال رسول الله:{ إذا نعس أحدكم في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقول} [رواه البخاري].
24- أن لا يصلي خلف المتحدث أو النائم: لأن النبي نهى عن ذلك فقال:{ لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث} لأن المتحدث يلهي بحديثه، ويشغل المصلي عن صلاته.والنائم قد يبدو منه ما يلهي المصلي عن صلاته. فإذا أُمن ذلك فلا تُكره الصلاة خلف النائم والله أعلم.
25-عدم الانشغال بتسوية الحصى: روى البخاري رحمه الله تعالى عن معيقيب رضي الله عنه:{ أن النبي قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: إن كنت فاعلا فواحدة} والعلة في هذا النهي ؛ المحافظة على الخشوع ولئلا يكثر العمل في الصلاة. والأَولى إذا كان موضع سجوده يحتاج إلى تسوية فليسوه قبل الدخول في الصلاة.
26-عدم التشويش بالقراءة على الآخرين: قال رسول الله:{ ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة} أو قال ( في الصلاة ) [رواه أبو داود].
27-ترك الالتفات في الصلاة: لحديث أبي ذر قال: قال رسول الله:{ لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه} وقد سئل رسول الله عن الالتفات في الصلاة فقال:{ اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد} [رواه البخاري].
28- عدم رفع البصر إلى السماء: وقد ورد النهي عن ذلك والوعيد على فعله في قوله:{ إذا كان أحدكم في الصلاة فلا يرفع بصره إلى السماء} [رواه أحمد]، واشتد نهي النبي صلى الله عليه و سلم عن ذلك حتى قال:{ لينتهنّ عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم} [رواه البخاري].
29- أن لا يبصق أمامه في الصلاة: لأنه مما ينافي الخشوع في الصلاة والأدب مع الله لقوله:{ إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قِبَل وجهه فإن الله قِبَل وجهه إذا صلى} [رواه البخاري].
30-مجاهدة التثاؤب في الصلاة: قال رسول الله:{ إذا تثاءَب أحدُكم في الصلاة فليكظِم ما استطاع فإن الشيطان يدخل} [رواه مسلم].
31-عدم الاختصار في الصلاة: عن أبي هريرة قال:{ نهى رسول الله عن الاختصار في الصلاة} والاختصار هو أن يضع يديه على الخصر.
32- ترك السدل في الصلاة: لما ورد أن رسول الله:{ نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه} [رواه أبو داود] والسدل ؛ إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.
33- ترك التشبه بالبهائم: فقد نهى رسول الله في الصلاة عن ثلاث: عن نقر الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المقام الواحد كإيطان البعير، وإبطان البعير: يألف الرجل مكانا معلوما من المسجد مخصوصا به يصلي فيه كالبعير لا يُغير مناخه فيوطنه.
هذا ما تيسر ذكره من الأسباب الجالبة للخشوع لتحصيلها والأسباب المشغلة عنه لتلافيها.
والحمد لله و الصلاة و السلام على نبينا محمد.